يقف الباحث في علم الأديان والمعتقدات و إختلاف الديانات على ثراء منقطع النظير في الإسلام من حيث عدد النصوص الدينية بداية بنصوص القرآن الكريم و الأحاديث النبوية مرورا بالسيرة النبوية العطرة وصولا إلى آثار الصحابة رضوان الله عليم و التابعين التي تعالج موضوع العنصرية و القبلية، فقد جاء في الشريعة الإسلامية ما ينكر و ينبذ كل ممارسة تكون خلفيتها عرقية قبلية و التي تؤطر و تهدف إلى بناء مجتمعات متامسكة إجتماعيا بعيدا عن هذه الأمراض الجاهلية.
رغم كل هذه الأحكام الربانية نسجل في الكثير من المحطات التاريخية العديد من الانحرافات في الممارسات البشرية عن قيم ومبادئ هذا التشريع و الملاحظ أيضا أنه لطالما إرتبط مركب العنصرية بالجهل و التخلف و قلة الحيلة على امتداد تاريخ الأمة الإسلامية و الإنسانية جمعاء وكلما ذكر العلم و أهله إبتعدت تلقائيا عن هذا الموضوع والذي عاد ليتنامى و ينخر بنيان الأمة الإسلامية مؤخرا .
ونذكر سيرة عالم جليل من علماء الجزائر لنوضح وقع العلم والعلماء على العنصرية والقبلية و الفتن وهو الشيخ العلامة العربي التبسي،
و الحديث عن شخص الشهيد العربي التبسي رحمة الله عليه لا تكفيها صفحات و لا حلقات بل شخصية العلامة العربي التبسي تحتاج إلى كتابات مطولة و دراسات مفصلة و يرجع هذا لخصوصية سيرته الذاتية و إسهاماته الواسعة في السياسة و العلم الشرعي و دعم الثورة التحريرية المباركة و نبذ التعصب و العنصرية في منطقة الأوراس خصوصا و الجزائر عموما،انشغال الشيخ التبسي بكل هاته المحاور الكبرى و أقصد بها المقاومة السياسية متمثلة في جمعية العلماء و مدارسها حيث مارس الإدارة موازة مع الدعوة و التعليم و مارس الكتابة و السياسة و كونه رجل إجماع بامتياز داخل و خارج الجمعية لم يهمل الإمام العربي التبسي المحور الإجتماعي كونه نشأ في وسط قبيلة أمازيغية شاوية والذي تخل عن لقبه “فرحات” و مسقط رأسه “سطح قنتيس ” ليصبح العربي التبسي رجل الوحدة والأخوة إبن الأمازيغ أخ العرب جامعا و مؤطرا لنضال وجهاد قبائل الأمازيغ الشاوية و أخص بالذكر النمامشة و قبائل العرب من وادي سوف مخمدا نار النعرات الجهوية كلما اشتعلت .
و في نفس الرقعة الجغرافية و نفس الحقبة التاريخية في مدينة عين البيضاء بأم البواقي في واحدة من جواهر الأوراس الأمازيغي العظيم يستقر رجل العلم محمد العيد آل خليفة الشاعر العربي الفذ و العالم المحترم إبن وادي سوف والذي أبدع في نقل و تعليم اللغة العربية للسكان المحليين في بسكرة و باتنة فكانت بلاد الشاوية أمه و اهلها أهله واضعين الانتماء العرقي في هامش المشهد الحضاري التاريخي للمنطقة.
كتب الشيخ العربي التبسي و محمد العيد آل خليفة بماء الذهب في تاريخ الأمة أن العلم يلغي العنصرية ولا يجاورها ولا يهادنها بل بأفعالهم كرسوا مبدأ أخوة الدين و التي لا تلغي الإنتماء العرقي بل تقننها و تحفظها وتجعل منها ثراء و قوة لا اختلافا و ضعفا.
فسير رجال العلم تقدم رسالة واضحة و قوية و جلية فحواها لزوم العيش مترفعين عن العنصرية و تجاوز مثل هذه المواضيع الموهنة للأمة،و عدم الوقوع فيها و عدم بناء مواقف تفوح منها خلفية قبلية ، و إن وجب الصدام مع هذا الموضوع وجب على كل متعلم أن يتعصب ضد العنصرية و تسخير كل الإمكانيات لنبذ التفرقة و الفتنة بين أبناء الدين الواحد في أرض الوطن الواحد.
إشترك ليصلك إشعار بمجرد مايتم نشر أخبار جديدة في هذا القسم